روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | الفرصـــة الأخيرة..

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > الفرصـــة الأخيرة..


  الفرصـــة الأخيرة..
     عدد مرات المشاهدة: 1968        عدد مرات الإرسال: 0

تناولت سهاد حبتين من المسكن عندما عادت إلى منزلها بعد تلك الزيارة الصباحية، كانت كلمات قريبتها العجوز تدق في جنبات رأسها كمطرقة، وتشد على رقبتها الخناق ثم تضغط بقوة على صدرها.

قالت لها العجوز عندما كانت ترتدي معطفها البني ذو القبة الكبيرة: رده الله سالماً إليك يا ابنتي فخراب البيت ليس بالأمر السهل، إنظري إلي لقد احتملت ضرب زوجي لي، وإحتملت قسوته، وبخله، والتزمت الصبر لأحافظ على بيتي.

كانت سهاد تعلم جيدا ما الذي إحتملته تلك السيدة المسكينة من زوجها، وأي صبر تجرعته برفقته، وأي علاقة كانت لها مع زوجها، وكانت تراها تتردد على الأطباء لتعالج أمراضاً سبَّبتها أوجاع روحها، وكانت ترى كراهية عجيبة تفرد جناحيها بين روحيهما، ولم تكن صامتة يوماً ولم تكن تتورع عن الشكوى لكل من عرفته أو لم تعرفه، وقد بدت حياتها ككتلة من نار تحرق سنواتها ببطء، ولم يهدأ بالها إلا عندما غيب الموت زوجها، ولكنها رأت ذلك الصبر إنتصاراً، وكانت وقتها محنية الظهر تحمل من الآلام ما لا تمحوه سنوات من الآهات والحسرات.

بعد أقل من ساعة وبينما كانت تتناول فنجاناً من الشاي الساخن بالنعناع وتضع تلك العصابة الوردية حول جبينها رن جرس الهاتف وجاء صوت منى زميلة العمل والتي عادت لتعيش مع زوجها بعد أعوام طويلة من الفراق وطلاق جائر ظالم.

شتمت منى جميع الرجال بداية، ثم فتحت صندوق أسرارها وقالت بأنها تمر بأوقات تشعر فيها بالندم لأنها عادت وقبلت بالزواج من زوجها السابق مرة أخرى، وحدثتها طويلا عن عذاباتها معه وعن طمعه في مالها وإعتماده الكبير عليها، وفي النهاية قالت أن محبته لها هي سر رضاها وصبرها، وأنها سعيدة فقط لأنها زفت إبنتها من منزل والدها وهي فيه.

لم تكن سهاد لتفهم كيف يكون الحب مع الطمع وكيف يهون على المحب أن يلقي بمهامه على من يحب ويشقيه بها، ولم تفهم كيف يراود صديقتها ندم لأنها عادت لتعيش مع زوجها وتجمع بين ندمها وبين شعورها بإستغلاله لها وحبه لها أيضاً، ولكنها فضلت أن تستمع لحديثها ولأحزانها وأن تصمت عندما تسمعها تعلل سر صبرها وتواسي به نفسها وروحها المتعبة.

هي أيضاً إعترضت على طلاق صديقتها الأديبة يوماً وتركها لمنزل الزوجية، وكانت في ذلك الوقت لا تتحدث معها إلا عن الأولاد.. ومصير الأولاد.. وحياتهم من دونها، ثم ندمت لأنها لم تفكر فيها.. في مشاعرها هي، وفي ما دعاها للإصرار على الطلاق، وشعرت بسرور بالغ وهي ترى على صفحتها في -الفيس بوك- صوراً للمكان الذي تقضي فيه شهر عسل جديد مع زوج جديد يحبها ويحترمها ويقدر حرفها وأدبها كما وصفته في ماليزيا الساحرة.

لم تكن سهاد تكره زوجها ولكنها لم تعد تجد لحياتهما معاً أي سحر أو أي معنى جميل مشرق، ووجدت نفسها تفتقد كل ما تتمناه المرأة في الزواج عندما رأت أنها تقوم بكل الأدوار بعد خسارته لتجارته وإعتماده عليها دون تقدير أو حتى كلمة شكر أو إبتسامة حنان لسنوات عدة، وقد أبقي لنفسه دور واحد في المنزل وهو أن يشعر الجميع بالآلام بعصبيته وصراخه وكأنه الوحيد الذي أُصيب بتلك الكارثة من دونهم، أو أنهم هم من تسبب له بتلك الخسارة.

لم تشعر يوماً بأنه يحبها، ولم يعد يعنيه أن يبدي إعجابه بجمالها أو بملابسها الجديدة، وشعرت كأنها لعبة يمتلكها.. وأداة يسيِّر بها حياته دون كلفة، فتدبير المنزل وتربية الأولاد وأمور كثيرة أخرى كانت كلها مجانية لم تكلفه حتى نظرة إمتنان.

لم تكن سهاد تدري من أين جاء زوجها بكل تلك الأنانية أو هذا النكران، وكانت تعيد هذا في بعض الأوقات إلى صمتها ومسامحتها الدائمة لأخطائه معها، ولشعوره بأنها تتمسك ببيتها بشكل كبير جداً يمنعها من التخلي عنه مهما ذاقت من مرارة للحفاظ على صورة العائلة السعيدة أمام الناس ومن أجل الأولاد أيضاً.

جلست بصمت في غرفتها بعد حديثها الهاتفي مع منى وتركت لدموعها العنان كانت تدرك جيداً بأنها لم تترك فرصة للعيش معه بسرور طوال أعوام، ولكنه من قابل كل محاولاتها بالتجاهل والازدراء وازداد قسوة وازدادت معاملته السيئة لها وللأولاد.

خرجت بعد ساعة كاملة وأعدَّت لنفسها كأساً من عصير البرتقال المثلَّج، وإبتسمت وهي ترتشفه على الشرفة عندما إتخذت قرارها بأنها ستَسعد من دونه وستعيش حياة صحية جميلة وستعتني بأولادها كما كانت تفعل من قبل، وستكمل مشوارها الجميل والممتع معهم.

رن هاتفها الجوال بجانبها وكانت صورة الأصفار التي إستبدلت بها حروف اسم زوجها تضيء الشاشة، نظرت نحو الأرقام ببرود وتركت الهاتف يرن وحيداً.

كانت متأكدة أنها بذلت كل ما في وسعها طوال سنوات كثيرة، وأنه لن يتغير أبدا، وأن ما قدمته له من عمرها كان كافياً، وأنه لا وقت لفرصة جديدة تقدمها له وإمتحانات طالما فشل فيها.

بقي الهاتف يرن وبقيت تنظر نحوه دون أن تفكر في مجرد إيقاف صوته، وقد أيقنت أخيراً أنه لا يستحق حتى أن يسمع صوتها.

الكاتب: عبير النحاس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.